لبنان ضحية الأوامر الأميركية
د.نسيب حطيط
أوائل شهر آذار دعت السفيرة الأميركية كونيللي إلى ضرورة إجراء الإنتخابات في موعدها وفق قانون الستين ،وتقصدت بشكل خبيث توزيع بيانها من مقر الرئاسة الثانية في الوقت الذي كانت الرئاستان الأولى والثالثة توقعان على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في حزيران،بشكل يوحي أن المايسترو الأميركي قرر ودعا وأذاع نيابة عن اللبنانيين ومؤسساتهم التشريعية والتنفيذية صيغة قانون الإنتخاب وموعدها وبقي إعلان نتائجها التي ستحددها الأموال الخليجية ، وذلك لإنجاز الإنتخابات النيابية قبل نهاية العام 2013 لتأمين انتخاب رئيس الجمهورية المقبل وفق المصالح الأميركية ، وذلك للتفرغ لمعركة رئاسة الجمهورية في سوريا حتى العام 2014 لقناعة الأميركيين بأن إسقاط الرئيس الأسد صار شبه مستحيل وتجاوز توصيف الصعب ولا يمكن لأميركا وأتباعها العرب خوض معركتي(الرئاسة)في سوريا ولبنان في آن واحد.
يطالب البعض بالسيادة ولا يحركون ساكنا عندما تغتصب سياسيا وأمنيا من الأميركيين حتى كاد السفير جيفري فيلتمان يوصف بقائد ثورة الأرز بما يشبه دور "برنار هنري ليفي" في الثورة الليبية وغيرها من الثورات العربية ولا يتحرك(السياديون)في 14 آذار عندما تغتصب بالخروقات الإسرائيلية،لكن أذانهم تسمع صفير أي طلقة سورية ترد على المسلحيين المتسللين من لبنان و يضغط البعض ويحرق الصهاريج السورية لإ ستعادة جثث القتلى الذين هاجموا الأراضي السورية ويدينوا الجيش السوري لأنه دافع عن أرضه وشعبه!
أعلنت كونيللي بعد إستقالة الحكومة ضرورة تأليف حكومة يشكلها اللبنانيون ،لكن المشكلة أننا لا نعرف من هم اللبنانيون؟ هل هم السفراء الغربيون وعل رأسهم كونيللي، و هل أن حلفاء سوريا والمقاومة هم لبنانيون أم أن تعريف اللبناني يقتصر على حلفاء أميركا وإسرائيل في لبنان .
ينتظر اللبنانيون أن تتفق أحزابهم وطوائفهم وزعمائهم على شكل وتوقيت الحكومة ،لكن الوقائع توحي بعكس ذلك ،فالإذن بتأليف الحكومة وشكلها وموعدها ليس بيد القوى اللبنانية فلها حق المشاركة والتنفيذ ،لكن القرار هو خارج الحدود ويرتبط بالمشهد السياسي للمنطقة وبالأحداث السورية بشكل خاص ،وقد سقطت الحكومة اللبنانية عندما تشكلت حكومة المعارضة السورية والحكومة الجديدة لن تبصر النور إلا إذا حددت أهداف تأليفها وفق المحاور التالية:
- حكومة لإجراء إنتخابات تؤدي إلى فوز 14آذار لإستعادة السلطة والأمن إستعدادا للمرحلة القادمة لحصار سوريا بشكل أكثر إيلاما.
- حكومة للتهدئة السياسية(بانادول سياسي) لتقطيع الأشهر القادمة بإنتظار جلاء الموقف الإقليمي وإتجاه الرياح السورية بحيث تكون الحكومة الجديدة لا طعم ولا موقف ولا قرار.
- حكومة تمثل نسخة مكررة عن الحكومة السابقة وبرئاسة الرئيس ميقاتي الذي يعود مرتاحا من أثقاله داخل(الطائفة السنية)ومن ضغط المستقبل خاصة مما يتيح له حرية حركة أكثر مقابل التضحية بعدم الترشح للإنتخابات النيابية المقبلة.
لكن بعض المؤشرات تدل على خيار آخر يربح الجميع فيه و يعفون أنفسهم من مسؤولية إتخاذ القرار وفق السيناريو التالي:
- إطالة المشاورات لتأليف الحكومة حتى لو تم تكليف رئيس لتشكيلها لكسب الوقت.
- تمديد ولاية المجلس النيابي لأكثر من سنة وذلك إقرار قانون إنتخابي جديد(قانون مختلط)وبعهد إلى المجلس الحالي إنتخاب رئيس الجمهورية الجديد أو تعديل ولايته بالتمديد أيضا .
- التمديد للقادة الأمنيين والتخلص من المرشحين منهم للإنتخابات النيابية أو لرئاسة الجمهورية.
- إنتظار الإصطفافات الإقليمية والدولية الجديدة بعد قمة الدوحة التي ستقلب بعض التحالفات خاصة على الساحة الفلسطينية ....والسؤال المطروح هل تعود فتح ومنظمة التحرير إلى التعاون مع سوريا والمقاومة مقابل هجرة حماس إلى المحور القطري-التركي.
إن معظم القوى السياسية في لبنان تنتظر نتائج أحداث سوريا وقد راهنت قوى14آذار على سقوط النظام وإنتظرت العودة عبر مطار دمشق وعاندت وقاطعت طوال سنين ولم يحدث شيء مما راهنت عليه، وإذا بقيت على رهانها ستنتظر طويلا وتدخل في دائرة التقاعد السياسي أو المنفى الإختياري طويلا، فإن لم يستطع النظام السوري الحسم لصالحه فلن تستطيع أميركا وحلفائها إسقاطه أيضا ،ويمكن أن تكون أمام مشهد التجربة الأفغانية والعراقية الطويلة والتي إنتهت مع كل القوة الأميركية إلى فشل المشروع الأميركي إلا شيء واحد هو تدمير أفغانستان والعراق ولا زالت طواحين الموت تدمر سوريا وهذا ماستنجح فيه أميركا وحلفائها ،ولكن العصا التركية والخليجية التي تحرك بهما أميركا النار في سوريا ستحترق كلما طالت الأزمة وستكون الدول الخليجية الداعمة والممولة للمسلحين أول الخاسرين لأنها لا تملك مقومات القوة الرادعة ولأن أميركا لا تحمي حلفائها بل تحمي مصالحها وستبدلهم كما ستبدل الثياب الممزقة أو المتسخة.
إن مشكلة السياسيين في لبنان أنهم مياومون بالسياسة ويتصرفون على أن لبنان مستقل وسيد وحر وأنه جزيرة معزولة عن العالم والمحيط وهذا تقدير خاطئ فيشغلون أنفسهم بالتصريحات في الداخل بينما الحقيقة المرة والقاتلة أن القرار(خارجي)بإمتياز و نحن الضحايا منذ العام1975.
لقد إنتهى عصر الآحادية الأميركية وصار الروس والصينيون وحلفائهم شركاء في رسم المشهد السياسي، ومثلما تستطيع أميركا إشعال الحرب في سوريا وغيرها تستطيع كوريا الشمالية وحلفائها إشعال التوتر والحرب في شرق آسيا، ولا بد أن يفهم البعض أن أميركا حشدت حلفائها ضد سوريا وتقودهم من بعيد وتفاوض بإسمهم لكنها وقعت بالخصومة المباشرة مع كوريا الشمالية وبقي الروس والصينيون يراقبون عن بعد ولا بد من قراءة مشهد عالمي جديد يؤكد أن أميركا باتت مهددة وهذا أول السقوط المعنوي والتراجع الميداني.
المشكلة أن البعض في لبنان يعتقد إنه إذا إمتلك بضعة نواب أو بعض المسلحين فإنه قادر على تغيير العالم والواقع يكذب ذلك، فكلنا ضعفاء إذا لم نحصن بلدنا من للخارج المستعمر، وندفع ثمن قتلنا بالمماطلة بملفي النفط والغاز الذي تحاول أميركا وإسرائيل السيطرة عليه يالضغط لمصادرة سلاح المقاومة ليسهل على اللصوص سرقة ثرواتنا وكرامتنا... لكنهم سيفشلون والهزيمة لهم وإن كانت أثمان تضحياتنا ستكون كبيرة.
بيروت في2/4/2013 سياسي لبناني*
www.alnnasib.com